‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصص. إظهار كافة الرسائل

2013-11-27

على رصيف الوصول

" على رصيف الوصول " 


تمنت لو أنه يكون لها يوماً من الأيام , هكذا كانت تتمة حكايتها عندما التقته صدفة في محطة القطار .. 

لم تصدق أنه هو ذات الشخص أمامها , أخذت تحدق به كثيراً فهو يمثل لها الكثير , ابتسم لها متعجباً متسائلاً في نفسه من هذه الفتاة التي اخذ يخوض معها في الحديث وكانما التقيا من قبل ! فهم لم يلتقيا من قبل , خُيلَ له بين لحظات أنه فقد الذاكرة في احدى الحوادث التي كانت تطارد مخيلته ويذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء وربما راح ضحيتها بعض من أصدقائه . 

كان لا بد وأن يسألها كيف تعرفه وأين التقته من قبل , هذا ان كانت التقته حقاً , في هذه اللحظة فقط نسي أنه شارك في برامج المشاهيير وأصبح الكثيرون يعرفونه وله الكثير من المعجبون , فقد كانت من أشد متابعيه ! 

مازال على موعد القطار القائم من تلك المحطة نصفُ ساعة , كانت تلك الثلاثون دقيقة كفيلة بأن يتجاذبا أطراف الحديث وكأنها ثلاثة ساعات , هكذا بدا لهما الوقت طويل وهي تستمع الى صوته فقط ولا ترى سواه أمامها , لقد أصبح كل البشر حولها هو وفقط . 

ذلك الطويل الوسيم لم يكن إلا ليفتن كافة من يتابعنه من الفتيات الا هي , كانت تراه وتراقبه من بعيد , تنظُرُ اليه بعين الرضا والاعجاب الغامر بالأخلاق والتواضع , فهو رجل ليس كمثل الرجال , تعدت حدودها وهو تخطى الحدود الصفراء ليطبع قبلة وداعٍ دافئةٍ على يدها وهو يغادرها . 
كانت كل خطوة تباعد بينهما يتراجع الزمن متسائلاً : 

- لم هذه هي التي فتنتني !
= كنت أراه شخصاً عادياً ذو أخلاق , ماذا حدث الآن ! 
- ماذا يحدث لك يا عبد الله , هل أعجبت بها ! 
= ماذا يحصل لك يا فتاة لم تفكرين به الى هذا الحد ! 
- هل سألتقيها مجدداً ! ولكن كيف وأنا لم أسألها عن اسمها ! 
= لم لم أطلب منه وسيلة مباششرة للتواصل بدلا عن وسائل التواصل الجماهيرية ! 
- هل جننت يا ولد || تجذبك فتاة ولا تعرف من هي لمجرد صدفة استمرت لـ 30 دقيقة ! 
= لماذا أريد أن اراه مجدداً ! ومن المؤكد أن لقائه مجدداً ضرب من ضروب المستحيل ! 
- لدي الكثير من المعجبات , لم تحدثني كأنها معجبة ! من هي ! 
= لم اهتم يوماً بمتابعة أعماله بعد انتهاء البرنامج , لم جننت به الآن ! 

(( حمد لله على سلامة الوصول )) هكذا انتهت دوامة طويلة من الأسئلة على رصيف الوصول , غادر القطار مسرعاً متجها بحقيبته السوداء الصغيرة التي بدت في هيئتها كحقائب كبار المسؤولين , وقبعته الغربية ونظاراته التي اختفى بهما وكأنه لم يكن هو , فهذه الرحلة للإستجمام , ليست لملاحقات المعجبون , انتظر عند باب المغادرة متفحصاً لأوجة جميع البشر , لعلها تمر فيتبعها ليعرف من هي او أين تقيم , ربما نسي ان هناك محطات اخرى توقف فيها القطار وهذه آخر محطاته ! 

خطواته المتثاقلة بدقات قلبة تقول له تراجع قليلا , ربما لم تخرج من المحطة بعد , أو لربما تأخرت في مغادرة القطار , وبين قوة الجذب تلك قوة منافرة لها تقول له : كُفَ عن مراهقتك أيها الصبي , لقد غادر القطار ولم يبقى بالمحطة سوى منتظروا المغادرة للرحلة القادمة . 

لم يغلق ذلك الصوت الصاخب للموسيقى التي كانت تصدح بها سيارة اخية في طريق عودته للمنزل كما هي عادته دوماً , ولم تكن تلك اللهفة في عينية ليحكي عن رحلته , ربما هناك شئ غير صائب , لم ينتبه لي عندما اخذت حقيبته وضعتها في السيارة , ولم يسأل عن اخباري , ولا عن اطفالي وهو يعشقهم ولا يمل ذكرهم وهم اول من يسأل عنهم !! 

ابتلع أنفاسه المتسارعة , لا تغادر خياله خطواته الأخيرة على رصيف المحطة , وكلما ابتعد أكثر زاد قلبه لهفة واشتياقاً , ولا تلك الثلاثون دقيقة , ولا ذلك الرصيف , ولا وجوه المغادرون لأحبابهم ولا كيف قابل اخاه , ولا كيف دلف الى غرفته سريعا ليتوسد سريره ويحيا مع ذاته , وهاهو يغادر المنزل بذات الصمت الذي دخله به منذ اسبوعين , وليبدأ من حيث انتهى ! 

في دقائق الانتظار وعلى رصيف المغادرة وقف متأملاً لتلك الورقة الخضراء في يده , ينظر بجانبه الى الفراغ , هل يمكن أن يجدها تقف الى جانبه مرة أخرى ! اخذ يقلب في وجوه المسافرون جميعا , جيئة وذهاباً لعلها تكون أحدهم , ولكنه ربما بحثٌ خائبٌ في زحمة الراحلين . 


هاهو بعد ثلاث ساعات اخرى على رصيف الوصول , ثلاث ساعات يائسة مليئة بحزن الفراق , وكانهما كانا حبيبين منذ عدة سنوات , في أناقته الكاملة ببدلته السوداء يسحب حقيبته في كبرياء رجولي وثقة متناهية وهو يغادر المحطة الى بداية رحلة جديدة في صخب الأضواء والنجوم والكاميرات والمعجبون ! 

لم تكن بطاقته التعريفية الصغيرة رهن تفكيير او اعداد مسبق , لكن عندما نظر الى فتاة وكأنها هي ووجد انه نسي اناقته ومن يكون وانزوى الى الجدار مراقباً لها , دون عليها اسمه كاملا ورقماً للتواصل الخاص , وعند باب المحطة الزجاجي مد اليها البطاقة : " الفرصة لا تولد مرتين " مذيلة بــ " مُغرَمٌ بوجعِ الانتظار " هذه الكلمات جعلتها وكأنها السندباد فعند نزولها من القطار رأتُهُ بعيدا ولكنها تراجعت حتى لا يظن انها احدى المعجبات الملاحقات له قائلة لنفسها : لست مراهقة , فمن يريدك يبحث عنك ! ساعدته ليراها وكأنها صدفة اللقاء الثاني ولتختبر نواياه ! وما أن أخذت بطاقته وغادر, قبلتها وشمتها وبداخلها صوت قوي يصرخ " كنت أتمنى أن تكون لي , وها أنت لي من دون البشر " 









بقلمي : 
أنـــــــ ـا / أسماء خليفة


" أُنْثَى حَالِمهــ "

2010-11-23

مفاجئة صيف

( هند ) !! قالها بتعجب عندما امسك بذراعها بقوة ليتأكد من أنها هي حقا .

- انتفضت خائفة , كادت أن تصرخ , أبعدت ذراعه وقالت له : ابتعد يا لك من جبان .

- عندها أجابها !! ما لذي جاء بك يا هند إلى هذا المكان العتيق ؟؟

- لم تجد له جواباً سوى الصمت , قطع هذا الصمت وقال بتعبيراته الحزينة عليها : هذا المكان اقل منك بكثير , هل أتيت لزيارة احد ما ؟؟
 في هذه اللحظة تفجر الدم في عروقها وقالت ومن تظنني ابنته حتى تقول هذا الكلام .

- ما نغمة اليأس هذه منذ أن كنا ...... ,, قاطعته قائلة "كنا " وذلك كان في الماضي , لقد سافرت لسنوات طوال , وهذا هو حالنا في هذه الأيام .

انقطعت الكهرباء ليحل الظلام , فتردف قائلة : ها لقد حل صديقنا الظلام , سوف ترى هنا مشهدا مختلفاً , سترى جميع أهل هذا الزقاق وقد أوقدوا الشموع في الشرفات حتى يضئ المكان وكأنه ضوء الكهرباء .

- هند أنا لم اعد افهم شيئاً ! ابنة العم محمد اكبر تجار القماش في سوق بلدتنا في حي شعبي كهذا ! قد أقول حي لأرتقي به قليلاً ولكن ما أراه لا يشبه إلا أكواخاً صغيره .

- و أنا يا خالد اسكن هنا منذ زمن ليس ببعيد .

- إذن يا هند لا بد أن هناك كارثة بالتأكيد أودت بك وأسرتك إلى هذا المآل .

- ليست القصة بالقصيرة يا خالد حتى أقصها عليك في مصادفة وعلى رصيف زقاق حي شعبي لا يوجد به إلا الأكواخ التي لا تليق بك كما تذكر .

- ولكني لم أتوقع يوما أن أراك مجدداً , أريد أن اعرف عنك كل شئ وما حدث ولم اعرفه , فأنا الآن الغائب الحاضر .

- إذا امتلكت شيئاً من التواضع فلتقبل دعوتي لفنجان من القهوة , كما كنت تحبها دون سكر على ما أتذكر ! فلتتفضل مع صديقنا الظلام إلى مجلس الشموع الصغير في منزلنا الجديد ولنتحدث .

- امسك بيدها في الظلام واخذ يخطوا بها خطوات نحو مكان آخر , هي تعرف طريق دارها جيدا حتى لو في الظلام , فبادرته قائلة : ولكن ليست هذه هي الطريق ! إلى أين ستذهب ؟!

- لقد صمت ولم يجبها ولكنه أجابها بإطباق قبضته على يدها , عندما شعرت أن هناك شئ ما قالت له في دهشة : أظن أن هذا الطريق يؤدي إلى منزل الخالة فاطمة , وقد نسلك الردهة التي تسبقه إلى منزل صغير تسكنه أسرة كبيرة كما يقولون أو عدة اسر في حجرتين !

- توقف وهو يقول : وهل تعرفين من هؤلاء الأسر ! أجابته بذات الدهشة وقالت الم تلحظ أنني عندما تحدثت عنهم قلت كما يقولون ! أي أنني لا أعرف أحداً هنا سوى الخالة فاطمة , جذبها بقوة حيث تلك الردهة حيث كانت الضوضاء تعم المكان وتنبعث منه رائحة الفوضى , وقال لها أنا الآن من دعاك لجلسة شموع , فلتجلسي ولتفضي إلي بما في داخلك .

- خالد لابد وان تقول لي أولاً أين نحن فأنا بالرغم من أنني اعرف المكان جيدا ولكني أخشى هؤلاء الناس الذين يقطنون هنا , بالإضافة إلى ذلك لا اعلم لم أحضرتني إلى هنا ..

- لقد أتيت بك إلى هنا يا حبيبتي لتجلسي على ذلك الكرسي الفاخر في أقذر مكان في هذه المدينة ولنتحدث عن المعاناة .

- هل تقول معاناة ! معاناة من بالضبط يا خالد .

- معاناة من يسكنون هنا , معاناتك , معاناتي في غربتي بين أهلي , لقد أجابته في استهزاء , هنا القاهرة ! ولكنه أجابها بذات الاستهزاء : نعم نحن في قاهرة ليست لنا ولا تريد أبناء لها .

- لقد باعتنا أرضنا بأرخص الأثمان يا خالد , ثمن لا يباع ولا يشترى , ثمن يهدر وفقط , ثمن يشردنا ونحيا في فوضى كهذه تماما .

- عادت الكهرباء لتكتشف أنها في غرفة قديمة واهنة وأريكة بالية وقدرين على جنب الموقد الصغير حينها عرفت إنها دخلت عالم الفقر , عالم فيه أناس مختلفون , عالم لا يعرف فيه الضوء الأبيض , عالم ليس فيه سوى برد الشتاء القارص ..

اخترق ذلك الصندوق الذي لم يتعدى المتر المربع طفل صغير لم ينسى ملامح هند ليقذف نفسه بين أحضانها , أخذت تتملقه برهة ولكن سريعا ما عرفت ذالك الإحساس , وتلك اللهفة , احتضنته بقوة دمعت عيناها " فراس " !! طفلي الصغير هل مازلت تخاف من الظلام ! أخذت تملس على شعره الصغير الأشقر وهي تقول : لقد كبرت يا فراس , ولكن هيا اخبرني يا بطل في أي صف تدرس , ولكن خالد أجابها بنبرة حزن بدلا عن ذلك الصغير الذي أضاع الصمت عباراته : وأي دراسة هذه يا هند ! وهل تظنين أناس مثلنا سوف يدرسون !! ولكن أين ؟؟ وكيف لنا بالمال !!

- لا تذكر لي أن هذا منزلكم وان أسرة من تسعة أفراد يقطنون هذه الحجرات الصغيرة للغاية !!

- بل هذه الحقيقة , هذا منزلنا منذ أن ذهب أبي وتبعه أخي الأكبر ليترك لنا فراس وأخويه صغيرين فلم نعد تسع بل أصبحنا إحدى عشر , فأين ستذهب زوجته فأنت كما تعلمين إنها ليست عربية , ولم تكن مسلمة فيما قبل , لقد قَتَلَ .......

- لا تكمل يا خالد , قتل والدك والدي في حادث سير خاطئ ..

- وقد أخذت الحماسة أخي فقتل والدك وهرب إلى هنا خوفاً من الثأر .

- لقد مرت أربعة سنوات يا خالد , لماذا لم نلتقي سوى اليوم !!

- بعدما ذهب أخي إلى السجن وتوعده عمك بالقتل هربت أنا خوفاً إلى ايطاليا ..

- وتركتني يا خالد بلا شئ , بلا عقد زواج ولا حتى شهادة تقيد بها مولودنا ..

- اعذريني يا هند , ولكني واجهت الكثير من الصعاب واتهمت في قضايا كثيرة ..

- نظرت إليه نظرة لا مبالاة وهي تقول : وكم لديك من الأطفال الآن من تلك الايطالية .. اخذ يقلب نظره في وجهها وهو يقول : ولكني لم أسافر إلى ايطاليا ولا لأية مكان آخر , لقد كنت هنا أرقبك من بعيد لعدة أسابيع حتى سقطت سجين عائلتين متصارعتين , سجين لا ذنب له بسجنه , سجين بلا قضبان , سجين يسير بين الناس في الشوارع والأزقة , سجين من المؤكد انه عاطل عن العمل كي لا يفتضح أمره , سجين غني هجر ماله ولاذ بأرواح أهله في مأوى لا يمكن أن يكون سوى مأوى للحيوانات والحشرات .

- لقد هربت لذات الشئ إلى هنا , كي لا يجدني أحد , فلقد أصبحت ابنة عائلتكم بعدما أنجبت طفلنا , لقد أرادوا وأد الطفل , هربت إلى هنا , إلى حياة ليست كالحياة .

نهضت من مكانها مسرعة لتلق برأسها بين قدميه وتقبل يديه : أنقذنا يا خالد , لنرحل من هنا إلى الأبد , رفع رأسها امسك بيدها أجلسها إلى جانبه وربت على كتفها وهو يقول والألم يملؤه : لقد أصبح عمر أختي نيفين ستة وعشرون عاما , لقد تركها خطيبها , متى ستتزوج إذن ؟! وكيف ونحن هنا في مكان كهذا ؟! لقد أصبحت عانس أو في الطريق إلى ذلك !

- خالد مازلت زوجي وهؤلاء اهلك وأهلي سوياً , لنذهب إلى عالم آخر , أجابها دامعاً : هند !! إلى أين سنذهب ؟؟ ومن أين لي بالمال ؟؟ !!







بقلمي : 
أنـــــــ ـا / أسماء خليفة

" أُنْثَى حَالِمهــ "