" على رصيف الوصول "
تمنت لو أنه يكون لها يوماً من الأيام , هكذا كانت تتمة حكايتها عندما التقته صدفة في محطة القطار ..
لم تصدق أنه هو ذات الشخص أمامها , أخذت تحدق به كثيراً فهو يمثل لها الكثير , ابتسم لها متعجباً متسائلاً في نفسه من هذه الفتاة التي اخذ يخوض معها في الحديث وكانما التقيا من قبل ! فهم لم يلتقيا من قبل , خُيلَ له بين لحظات أنه فقد الذاكرة في احدى الحوادث التي كانت تطارد مخيلته ويذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء وربما راح ضحيتها بعض من أصدقائه .
كان لا بد وأن يسألها كيف تعرفه وأين التقته من قبل , هذا ان كانت التقته حقاً , في هذه اللحظة فقط نسي أنه شارك في برامج المشاهيير وأصبح الكثيرون يعرفونه وله الكثير من المعجبون , فقد كانت من أشد متابعيه !
مازال على موعد القطار القائم من تلك المحطة نصفُ ساعة , كانت تلك الثلاثون دقيقة كفيلة بأن يتجاذبا أطراف الحديث وكأنها ثلاثة ساعات , هكذا بدا لهما الوقت طويل وهي تستمع الى صوته فقط ولا ترى سواه أمامها , لقد أصبح كل البشر حولها هو وفقط .
ذلك الطويل الوسيم لم يكن إلا ليفتن كافة من يتابعنه من الفتيات الا هي , كانت تراه وتراقبه من بعيد , تنظُرُ اليه بعين الرضا والاعجاب الغامر بالأخلاق والتواضع , فهو رجل ليس كمثل الرجال , تعدت حدودها وهو تخطى الحدود الصفراء ليطبع قبلة وداعٍ دافئةٍ على يدها وهو يغادرها .
كانت كل خطوة تباعد بينهما يتراجع الزمن متسائلاً :
- لم هذه هي التي فتنتني !
= كنت أراه شخصاً عادياً ذو أخلاق , ماذا حدث الآن !
- ماذا يحدث لك يا عبد الله , هل أعجبت بها !
= ماذا يحصل لك يا فتاة لم تفكرين به الى هذا الحد !
- هل سألتقيها مجدداً ! ولكن كيف وأنا لم أسألها عن اسمها !
= لم لم أطلب منه وسيلة مباششرة للتواصل بدلا عن وسائل التواصل الجماهيرية !
- هل جننت يا ولد || تجذبك فتاة ولا تعرف من هي لمجرد صدفة استمرت لـ 30 دقيقة !
= لماذا أريد أن اراه مجدداً ! ومن المؤكد أن لقائه مجدداً ضرب من ضروب المستحيل !
- لدي الكثير من المعجبات , لم تحدثني كأنها معجبة ! من هي !
= لم اهتم يوماً بمتابعة أعماله بعد انتهاء البرنامج , لم جننت به الآن !
(( حمد لله على سلامة الوصول )) هكذا انتهت دوامة طويلة من الأسئلة على رصيف الوصول , غادر القطار مسرعاً متجها بحقيبته السوداء الصغيرة التي بدت في هيئتها كحقائب كبار المسؤولين , وقبعته الغربية ونظاراته التي اختفى بهما وكأنه لم يكن هو , فهذه الرحلة للإستجمام , ليست لملاحقات المعجبون , انتظر عند باب المغادرة متفحصاً لأوجة جميع البشر , لعلها تمر فيتبعها ليعرف من هي او أين تقيم , ربما نسي ان هناك محطات اخرى توقف فيها القطار وهذه آخر محطاته !
خطواته المتثاقلة بدقات قلبة تقول له تراجع قليلا , ربما لم تخرج من المحطة بعد , أو لربما تأخرت في مغادرة القطار , وبين قوة الجذب تلك قوة منافرة لها تقول له : كُفَ عن مراهقتك أيها الصبي , لقد غادر القطار ولم يبقى بالمحطة سوى منتظروا المغادرة للرحلة القادمة .
لم يغلق ذلك الصوت الصاخب للموسيقى التي كانت تصدح بها سيارة اخية في طريق عودته للمنزل كما هي عادته دوماً , ولم تكن تلك اللهفة في عينية ليحكي عن رحلته , ربما هناك شئ غير صائب , لم ينتبه لي عندما اخذت حقيبته وضعتها في السيارة , ولم يسأل عن اخباري , ولا عن اطفالي وهو يعشقهم ولا يمل ذكرهم وهم اول من يسأل عنهم !!
ابتلع أنفاسه المتسارعة , لا تغادر خياله خطواته الأخيرة على رصيف المحطة , وكلما ابتعد أكثر زاد قلبه لهفة واشتياقاً , ولا تلك الثلاثون دقيقة , ولا ذلك الرصيف , ولا وجوه المغادرون لأحبابهم ولا كيف قابل اخاه , ولا كيف دلف الى غرفته سريعا ليتوسد سريره ويحيا مع ذاته , وهاهو يغادر المنزل بذات الصمت الذي دخله به منذ اسبوعين , وليبدأ من حيث انتهى !
في دقائق الانتظار وعلى رصيف المغادرة وقف متأملاً لتلك الورقة الخضراء في يده , ينظر بجانبه الى الفراغ , هل يمكن أن يجدها تقف الى جانبه مرة أخرى ! اخذ يقلب في وجوه المسافرون جميعا , جيئة وذهاباً لعلها تكون أحدهم , ولكنه ربما بحثٌ خائبٌ في زحمة الراحلين .
هاهو بعد ثلاث ساعات اخرى على رصيف الوصول , ثلاث ساعات يائسة مليئة بحزن الفراق , وكانهما كانا حبيبين منذ عدة سنوات , في أناقته الكاملة ببدلته السوداء يسحب حقيبته في كبرياء رجولي وثقة متناهية وهو يغادر المحطة الى بداية رحلة جديدة في صخب الأضواء والنجوم والكاميرات والمعجبون !
لم تكن بطاقته التعريفية الصغيرة رهن تفكيير او اعداد مسبق , لكن عندما نظر الى فتاة وكأنها هي ووجد انه نسي اناقته ومن يكون وانزوى الى الجدار مراقباً لها , دون عليها اسمه كاملا ورقماً للتواصل الخاص , وعند باب المحطة الزجاجي مد اليها البطاقة : " الفرصة لا تولد مرتين " مذيلة بــ " مُغرَمٌ بوجعِ الانتظار " هذه الكلمات جعلتها وكأنها السندباد فعند نزولها من القطار رأتُهُ بعيدا ولكنها تراجعت حتى لا يظن انها احدى المعجبات الملاحقات له قائلة لنفسها : لست مراهقة , فمن يريدك يبحث عنك ! ساعدته ليراها وكأنها صدفة اللقاء الثاني ولتختبر نواياه ! وما أن أخذت بطاقته وغادر, قبلتها وشمتها وبداخلها صوت قوي يصرخ " كنت أتمنى أن تكون لي , وها أنت لي من دون البشر "
بقلمي :
أنـــــــ ـا / أسماء خليفة
" أُنْثَى حَالِمهــ "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق